مقدمة
كان لظهور الدين المسيحي أثراً بالغاً في إحداث تغيرات على المجتمعات الموجودة حينئذ، ومن ثم الفنون وتوجهاتها، والتي بطبيعة الحال كانت توظف لخدمة الدين الجديد ونشره والتأكيد على وجوده، وبعد إنقضاء فترة الإضطهاد الديني وفتح باب حرية العقيدة، بدأت الفنون تؤكد على هويتها المسيحية بشكل أعمق، فدخلت أوروبا في عصورها الوسطى متكئة على سلاح الفن وما له من تأثير في نفوس البشر، فقد كان الفن وسيلة غايتها السيطرة على مجريات الأمور في بلاد أوروبا، وأن تتركز السلطة والمركزية بالكنيسة حتى أصبحت الدولة الدينية عبئاً على المجتمع وتحول دون تقدمه وتطلعاته، ومن هنا أدرك الأوروبيون أن إنطلاقهم نحو النهوض هو العلم وفصل الدين عن الحياة العامة، وتقلص دور الكنيسة شيئاً فشيئاً حتى وجد الفن متنفساً له بعيداً عن الموضوعات الدينية، يحاكي الطبيعة وجمالياتها ويغوص بالنفس البشرية ويستخرج إنفعالاتها، وكانت فترة الإزدهار والنهوض، فظهر فن النهضة العظيم في أوائل القرن الخامس عشر، تلاه ظهور فن الباروك والذي إهتم بخدمة الطبقة البورجوازية، وطراز الروكوكو الذي إرتبط بالعائلات الحاكمة، والذي إختفى من فرنسا بعد قيام الثورة الفرنسية عام 1789م . وظهر بها طراز فني استمد مقوماته من الفنون الإغريقية والرومانية عرف باسم الكلاسيكية العائدة أو الجديدة . وتوالت الحركات الفنية في الغرب منذ مطلع القرن التاسع عشر فظهرت الرومانتيكية والواقعية .
ولأول مرة في تاريخ الفنون نجد أن المفهوم التشكيلي للفن يخضع لتأثير العلم والإكتشافات الحديثة، حيث بدأ العلماء يبحثون في علاقة الضوء بالألوان، كما أخترعت آلة التصوير الضوئي، وساهمت هذه الأحداث في إزدهار المذهب التأثيري، وما أن نصل إلى القرن العشرين حتى نقابل ظهور مذاهب جديدة من أهمها التكعيبية، التعبيرية، الوحشية والمستقبلية . وعندما قامت الحرب العالمية الأولى ( 1914 - 1918م ) أثرت الفوضى التي عمت البلاد في المجتمعات الإنسانية، وإنفعلت طائفة من الفنانين فضربت بالقيم الجمالية التي ورثوها عن أجدادهم عرض الحائط، وأخرجوا أعمالاً شاذة تحارب الفن عرفت باسم الدادا . وأختتمت هذه الحركات المتعددة بحركتي السيريالية والتجريدية، وتهدف الأولى إلى الغوص في أعمال اللاشعور، على حين تسعى الثانية إلى البحث في جمال الأشكال اللاموضوعية والهندسية .